السبت، 29 أكتوبر 2016

بطلان الاعتقاد بأننا داخل مصفوفة أو حلم ووهم وخيال

بسم الله الرحمن الرحيم
يدعي بعض الناس أنه من الممكن أن تكون حياتنا وعقولنا حبيسة مصفوفةٍ ما matrix أو أن ما نشاهده ونعاينه ونحسه ونجسه من العالم الخارجي إنما هو حلمٌ ووهمٌ نعيشه، وليس له حقيقة ثبوتية.

وهذا الاعتقاد باطلٌ لا حقيقة له، وتلفيق لا أصالة له، بل هو كذب وتناقضٌ فج، وذلك لاشتماله على ما يخالف بدائه العقول السليمة.
ونبطل هذا الاعتقاد بما يلي:
1-هذا المعتقد مفتقر إلى الدليل، وحيث أن معرفته واستيعاب مفهوميته ليست مبدأً عقليًا قبليًا، ولا ضرورة عقلية يكتفى بالتمثيل بها لمعرفتها، بل هي معتقد مكتسب، فهي إذن مفتقرة إلى الدليل والنظر حتى تصح وتثبت. وأصحاب أو القائلون بهذا المعتقد لا يستندون في إثباتهم إياه على دليل، فهو معتقد مبنيٍ على عدم الدليل. وصحيحٌ أن عدم الدليل ليس دليلًا على العدم، ولكن عدم الدليل ليس بالتأكيد دليلًا على الثبوت والصحة (إلا إن كان وجود الدليل لازمًا عن وجود مدلوله).
2-يعتمد أصحاب هذا المعتقد على مجرد الإمكان الذهني، فيقولون: أليس من الممكن أن تكون عقولنا محدودة بمصفوفة ومُتحكمًا فيها من قِبَل موجودٍ خارجي؟ أليس من الممكن أن يكون دماغك موضوعًا في إناء زجاجي، وليس ثمة جسدٌ ولا واقعٌ وإنما هي إشارات وصور ذهنية نتعامل معها؟
وهذا ممكنٌ عقلًا، وليس ممتنعًا في ذاته، العقل يستطيع تخيل كل ذلك وتصوره، وليس هذا موضع النزاع قطعًا، إذ أن النزاع والخلاف بيننا وبينهم هو في ثبوت كل ذلك وتحقق وجوده. وهذا التحقق والثبوت ليس بحاصلٍ بالإمكان الذهني المجرد وحده، فحقيقة الإمكان الذهني هي عدم الامتناع، وليست هي ثبوت الأمر نفسه ووجوده. وبناءً على ذلك، فقد يكون هناك الكثير من الممكنات الذهنية التي يمتنع تحققها في أرض الواقع، لأن إمكانها الذهني يقتضي أن العقل يمكنه أن يتصور وجودها، لا أن وجودها حاصلٌ ومتحقق بالفعل خارج العقل.
3-تنقلب الحجة على أصحابها بقولنا لهم: سلمنا لكم بأننا نعيش داخل مصفوفة يتحكم بها موجود منفصل عنا، فكيف حكمتم بأن هذه المصفوفة حقيقية؟ والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فكيف تصورتم المصفوفة وأنتم لم تخرجوا عنها ولم تعاينوا آثارها وحدودها؟
والحق أننا لم نميز الحلم من الواقع إلا بعد أن رأينا أن الحلم قصير الزمان وإن بدا طويلًا، ممكنٌ الخروج منه، ويحصل فيه ما لا يحصل في الواقع. فإن ظننت أنك حبيس حلم طويل يدور في ذهنك، فيجب عليك أن تثبت إمكانية الخروج منه، وكذلك مخالفته للواقع الذي يعيشه عقلك. ولن تستطيع إلى ذلك سبيلًا.
وهناك مشكلٌ معضلٌ في الاستدلال بآثار المصفوفة على وجود المصفوفة نفسها، إذ لو قيل بأن (س) أثرٌ للمصفوفة التي تحكمنا، فما الدليل على أنها أثرٌ لها؟ بل ما الدليل على وجود المصفوفة أصلًا؟
وهنا تتجلى المصادرة على المطلوب في أجلى صورها وأوضحها. إذ أن المطلوب إثباته هو وجود المصفوفة، وإثبات وجودها يتوقف على صحة نسبة هذه الآثار للمصفوفة مع استبعاد الاحتمالات الأخرى. والمستدل بالآثار هنا يصادر على المطلوب إذ يدعي صحة نسبة هذه الآثار إلى المصفوفة ولا دليل له سوى الدعوى المجردة عن الدليل.
4-أنتم تؤمنون بأننا داخل حلمٌ أو مصفوفة إما قطعًا ويقينًا وإما باحتمالٍ راجحٍ بدرجة كبيرة على نقيضه، فبم رجحتم هذا اليقين أو الظن؟ إذ أن معتقدكم هذا لو كان مساويًا في صحته لما يناقضه، لما صح لكم اعتناقه. فإن كان مرجوحًا على ما يناقضه، فما مرجحكم؟ حسنًا. لن نطالبكم بدليلٍ ثبوتي لتصحيح دعواكم، فهل عندكم من دليل نفي لنقيض دعواكم؟ أوليس رفع أحد النقيضين كافيًا في إثبات الآخر؟ إذن، فأثبتوا دعواكم بنفي ما يناقضها.
فتبين بهذه الوجوه أن هذا المعتقد وهم وباطل.
والحمد لله أولًا وآخرًا
الاثنين 1437/8/9هـ
2016/5/16م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق